Wednesday, July 22, 2009

الثقافة و دبلوماسية التحاور مع القوى الدولية





تمثل الحضارات العالمية طبقات متراكمة و نسيجا متشابكاً بحيث يأخذ كل منهما من الآخر و يعطيه في تفاعل لا مثيل له و في عملية يمكن إن نصفها بالتلقيح المتبادل بين الحضارات.

المنطقة العربية أو الدائرة الأكثر اتساعاً التي تسمى الشرق الأوسط تمثل مركز الحضارة العالمية منذ فجر التاريخ و لازالت، امتدت حضارتها و تفاعلت مع حضارات آسيا الجنوبية و آسيا الشرقية التي كانت و ما تزال تشكل كتلة حضارية صخرية متميزة.

و إذا كان عالمنا المعاصر يعيش عصر الحقبة الأمريكية بكل جوانبه فإن ثمة جانب آخر تفتقر إليه هذه الحضارة و المتمثل في قيم العدالة و الحق فرغم رفع هذه الحضارات لمثل هذه الشعارات في الحرية و المساواة و حقوق الإنسان إلا أن الممارسة العملية تظهر انتقائية شديدة من حيث الشكل و ازدواجية واضحة من حيث التطبيق.

و في نفس الوقت شهدت منطقة الشرق الأوسط تراجعا حضاريا مثيرا للدهشة و الاستغراب. إذ لم تستطع أن تطور نموذجا حضاريا يعكس قيم و ثقافة عصور الحضارة السابقة، كما أظهرت تخلفاً علمياً و تكنولوجياً فضلا عن التخلف السياسي و الاجتماعي.

و من هنا وقع ما يشبه التصادم بين حضارة الشرق و بين الحضارة الأمريكية على وجه الخصوص و ثار التساؤل عن فكرة صدام الحضارات و فكرة "حوار الحضارات" التي سعى سياسيون و مفكرون من الشرق الأوسط لطرحها كمفهوم بديل لصدام الحضارات.

و في تصوري إن كلا من مفهوم الصدام و مفهوم الحوار يتميزان بسطحية التحليل و يحتاجان لمزيد من التعمق، و مما زاد الفجوة بين الشرق و الغرب اعتبار الإسلام العدو الجديد بعد سقوط الشيوعية و أيضا إحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة مما أدى على ما يشبه الحملة الصليبية بقيادة الولايات المتحدة ضد الدول الإسلامية بوجه خاص.

و للأسف فإن السياسيين و المفكرين في الدول الإسلامية و العربية لم يقدموا لنا بديلاً حقيقيا باتخاذ موقف رادع ضد الجماعات المتطرفة التي تسيء للإسلام و لم يقدموا لنا إنجازا علميا أو تجربة تنمية اقتصادية يمكن الاعتداد بها في مواجهة اتهامات الغرب بالتخلف الإسلامي سياسيا و اقتصاديا وثقافيا و اجتماعيا.

و هكذا ففي اللحظة التي عجزنا فيها عن تقديم النموذج و المثل و القدوة تركنا الحبل على الغارب للجماعات الهامشية و لذلك وقعت الإساءة و تبعاتها علينا جميعاً و أصبحنا مطالبين بدفع الثمن في إطار صراع الحضارات.

لذلك لابد من إعادة النظر في منهج عملنا في إطار مشروع حضاري يدعو لتجنيد أفكارنا و ثقافتنا و دور النخب السياسية و الثقافية و العسكرية في بلورة رد فعل على التحدي الحضاري الذي نواجهه على النحو ما فعلت اليابان و الاتحاد السوفيتي.

و ينبغي أن نقول بأن ردة الفعل الياباني أثبتت صلابة و مقدرة على الاستمرار زهاء قرن و نصف من الزمان، في حين أن رد الفعل الروسي أو الصيني ما يزالان قيد التجربة لقصر الفترة الزمنية و من ثم يصعب الاعتداد بهما بصفة قاطعة.

أضف إلى ذلك أهمية الدخول في حوار حضاري مع القوى الرئيسية في العالم القرن الحادي و العشرين و نخص بالذكر ثلاث قوى هي الولايات المتحدة، الصين وروسيا الاتحادية.

و يرجع اختيارنا لهذه القوى إلى كونها القوى المتوقع لها السيطرة و الغلبة طوال القرن الحادي و العشرين، فمن الواضح أن الولايات المتحدة في حالة هيمنة على مقدرات العالم و على أمد بعيد أما الصين فإنها تمثل القوة الصاعدة على المسرح السياسي و الاقتصادي الدولي و تسير في هذا الصدد بخطى وئيدة و لكنها ثابتة وراسخة.

و لا يمكن إن يتحقق دور حضاري عربي لمنطقة الشرق الأوسط إذا تجاهلنا وجود قوة أخرى في المنطقة العربية بغض النظر عن اعتقادنا بمشروعية وجودها إلا أنها فرضت نفسها كأمر واقع و قبلنا هذا الوجود بحكم الضرورة و من منطلق مقتضيات السياسية الدولية و المفهوم السياسي الأصيل وهو إن السياسية هي فن الممكن و فن اختيار الأفضل من بين البدائل فضلاً على أن الواقع السياسي و عبرة التاريخ تظهر أن خرائط السياسة للكرة الأرضية قد تغيرت أكثر من مرة عبر مسيرة التاريخ الإنساني.

و يأتي سابقا على عملية الحوار مع العالم الخارجي بقواه المختلفة عملية الحوار الداخلي فيما بيننا كعرب لنعرف ما نريد و كيف يمكن تحقيق أهدافنا و نرسم خطة مستقبلية واضحة لتحقيق ذلك وفي هذا الإطار نجد إن من الضروري إن تتميز هذه الخطة بخصائص ثلاث:

الأولى= الواقعية في تحديد الأهداف و الوسائل.

الثانية= التدرج سعيا نحو تحقيق هذه الأهداف وفقاً لأولويات واضحة.

الثالثة= الأخذ في الحسبان، و احترام الخصائص الإقليمية في المنطقة العربية سواء كانت هذه الخصائص ترتبط بترتيب للأولويات الخارجية أو الداخلية.


Monday, July 20, 2009

تطور دراسة السياسة المقارنة

إن السياسة المقارنة هي الانصراف إلى دراسة السياسة من عند مستواها الكلي كما تتمثل في مفاهيم و حقائق مثل الدولة و الحكومة و النظام السياسية و الأمة.و مهمة حقل معرفة السياسة المقارنة هو توضيح و تحليل الفوارق و المتشابهات بين الدول و في كل واحدة منها و تفسير الصراعات السياسية الناجمة عنها.و السياسة المقارنة تنطوي على النظريات في السياسة الكلية الحاضرة في حقل المعرفة في زمن معين. و يعتبرها الكثير من علماء السياسة ميداناً فرعياً لدراسة السياسة.و لكي نطلق عليها أنها سياسة مقارنة يجب أن يتوافر فيها عنصران:

1. اعتماد المقارنة هدفا للبحث.

2. تبني منهجية مقارنة.

وعليه فإن موضوع المقارنة ليس هو الذي يحدد هوية السياسة و إنما المقارنة و منهجها و عليه فإن السياسة المقارنة هي البحث عن أوجه الشبه و الاختلاف بين الظواهر السياسية، بما فيها المؤسسات السياسية ( السلطات التشريعية، و الأحزاب السياسية و غيرها) و السلوك السياسي مثل عملية الاقتراع و الاحتجاجات و الأفكار السياسية.


عرفت السياسة المقارنة منذ العصور القديمة، فلقد اعتبر أرسطو الأب الأول للدراسة المقارنة في السياسة حينما تعرض للدساتير و عقد مقارنة بينها.

و لكن الانطلاقة الأكاديمية في السياسة المقارنة تعود حقاً إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية و في سياق النشاطات الأكاديمية و العلمية و السياسية التي توجهت إليها الولايات المتحدة، لعدة أسباب:

1. النظام الدستوري المعقد للولايات المتحدة، و خصائصه التي ليس لها ما يماثلها في أوروبا الغربية.

2. بناء الدولة الأوروبية كان ذا طابع تطوري تاريخي بعكس الولايات المتحدة التي قامت مؤسساتها السياسية من خلال امتزاج اتجاهات اتحادية و انفصالية و كذلك من خلال عمليات توفيقية بين المركزية و اللامركزية

و بالتالي قام الجدل حول التجربة الأمريكية و مدى جدواها و هل من الممكن أن تصبح معيارا للمقارنة مع التجارب الأخرى.

3. بالإضافة إلى ذلك كان النموذج الأمريكي- الغربي للدولة مفهوما و وظيفة يتعرض لمنافسة أيديولوجية من الأنموذج السوفييتي الذي قدم نفسه في إطار أيديولوجي يختلف عن الأطروحة الغربية الليبرالية.

4. في فترة الحرب الباردة، كانت آسيا و أفريقيا ميداناً للترويج للنظام السياسي الأمريكي- الغربي، حيث تمت صياغة أنظمة الحكم على شاكلة الدول الاستعمارية التي وقع الاستقلال منها.

5. و لقد كان بالسياسة الأمريكية حاجة إلى معرفة الكثير عن العالم بعدما أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية قوة عالمية ذات مصالح أيديولوجية و اقتصادية و أمنية في نواحي متفرقة.

مما استدعى صناع القرار الأمريكيين أن يتمكنوا من جمع المعلومات لفهم التغييرات و النشاطات السياسية للمجتمعات الحديثة الاستقلال السياسي.

6. و من أسباب تطور دراسة السياسية المقارنة أيضا وجود نخبة من علماء السياسة الاوروبيين الذين حطوا الرحال في الولايات المتحدة و تعرضوا لدراسة الحياة السياسية في أوروبا.