Monday, October 5, 2009

الاشتراكية

الاشتراكية

العناصر الأساسية

كلمة الاشتراكية تستعمل للدلالة على مجموعة مبادئ كما تستعمل للدلالة على حركة سياسية، والاشتراكية ليست كلها سياسية، إنها اقتصادية إلى حد كبير والنظريات الاقتصادية والسياسية تكون في حالة شديدة من التداخل، كما أن الاشتراكيين ينقسمون إلى مدارس متعارضة، تفصلها خلافات حادة في كل من أهدافها ووسائلها، ولعل الاشتراكية أثبتت أكثر من أي نظرية غيرها إنها تكون مذهباً مختلفاً في يد كل من مفسريها، يختلف وفقاً لمزاج المدافعين عنه ولطبيعة العيوب التي كانت سبباً في دفاعهم.

كارل ماركس يعتبر أبو الاشتراكية لان من سبقه من المفكرين لم يعطوا باستثناء (أوين) أي اهتمام جدي لمشكلة كيفية تحقيق حالتهم المثلى للمجتمع ولا للمشكلة الأبعد وهي كيف يمكن وقد تحققت هذه الحالة أن يصبح عملها المتواصل بطريقة عملية، ويبدوا أن أكثرهم قد ظنوا أن ما عليهم إلا أن يجذبوا اهتمام البشرية إلى الكمال الواضح لمشروعاتهم، حتى تستولي عليها رغبة تجبرها على وضع هذه المشروعات موضع التنفيذ. ولا حاجة إلى القول بأن حياة معظم النظريين الطوبيين كانت مليئة بخيبة الأمل.
وماركس إذن هو أول كاتب اشتراكي يمكن أن توصف مؤلفاته بأنها علمية. انه لم يقم فقط بعمل مخطط للمجتمع الذي يريده، وإنما تحدث بالتفصيل عن المراحل التي يجب أن يتطور خلالها.

نظرية فائض القيمة

يقبل ماركس المذهب الذي يشتمل على الاقتصاديات التقليدية في القرن التاسع عشر، وهو أن العمل هو مصدر القيمة، ويطوره، ثم يبني عليه نتائج نقيضه تماما من الفكرة الأصلية وهي أن ثروة المجتمعات الرأسمالية هي مجموعة ضخمة من السلع. هذه السلع لها قيمة تتناسب مع قدرتها على كفاية الحاجات الإنسانية ونحن نقدر كمية نفع شيء بإيجاد ما يمكن مبادلته به أي ((القيمة التبادلية)) أو الثمن الذي يتراوح تبعا لظروف السوق ولكن هذا التراوح عرضي ولا يلغي أو حتى يخفي المؤثر الحقيقي الذي يحدد القيمة وهو معدل مدة العمل التي تقضى في إنتاج السلعة، وهذا العمل يتطلب أدوات، هذه الأدوات هي الماكينات والمصانع وقوة البخار والكهرباء، إلى آخره.
و نتيجة للمخترعات في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، زادت هذه الأدوات المستعملة في خلق القيمة زيادة هائلة في العدد وفي الكفاءة وهي مملوكة لطبقة صغيرة نسبياً، هي الطبقة الرأسمالية. والرأسمالي يشتري قوة العمل من العامل المعدم ويستعملها مع الآلات والمواد الخام التي يملكها، وينتج سلعة لها ((قيمة تبادلية)) بثمن يزيد عما صرف لدفع أجور العمال. هذا الفرق بين القيمة التبادلية للسلعة المصنوعة والثمن المدفوع للعامل نظير عمله يسمى فائض القيمة، إنه في الواقع نتيجة عمل دون أجر.
ووضع الرأسمالي يده على فائض القيمة يكون الظلم الأساسي للنظام الصناعي الحديث وهو ظلم تسعى كل أشكال الاشتراكية إلى إزالته.

التفسير المادي للتاريخ

أخذ ماركس يتساءل عندئذ كيف أصبح المجتمع منظماً بطريقة تضع فيها طبقة ممتازة يدها – تحت حماية القانون- على فائض القيمة الذي يوجده عمل العمال.
يقول ماركس أن الاعتبارات الاقتصادية توجد على المدى الطويل تحت الاتجاهات السياسية وتحددها فالذي يحدد التاريخ على المدى الطويل إذن هو تفاعل القوى الاقتصادية.
وهكذا يكون لكل مرحلة من مراحل الإنتاج الاقتصادي شكل سياسي مناسب وبناء طبقي مناسب. وقد أوجد التقدم الاقتصادي الضخم الذي نشأ عن الثورة الصناعية في مستهل القرن التاسع عشر أولاً، طبقة صغيرة ممتازة، هم أصحاب وسائل الإنتاج، ثانياً طبقة كبيرة من البروليتاريا التي لا تملك شيئاً. ولقد كان هناك بالطبع قبل الثورة الصناعية مستخدمون وعمال، بل كان هناك رأسماليون على مستوى صغير ولكن الذي يميز المجتمع الحديث هو سيادة الرأسماليين بوصفهم طبقة، وتنظيم الدولة بحيث تعبر عن هذه السيادة.
وتعارض المصالح بين هاتين الطبقتين، تنشئ الصراع الدائم والنزاع الذي يسمى ((الحرب الطبقية)).
ولكن المجتمع ليس ساكناً، انه يتغير ويتطور، وستزول في الوقت المناسب أثناء تطورها مرحلة الرأسمالية وتأتي بعدها مرحلة أخرى وسيتخذ التطور المستقبل للرأسمالية شكل تركز لرأس المال في أيد اقل فأقل، و طرد متزايد للرأسمالي الصغير من جهة وتنظيم أكثر تماسكاً وإحكاماً البروليتاريا من الجهة الأخرى. وفي ذروة هذا الطور ستنهض البروليتاريا وتقهر الطبقة الرأسمالية.وسيكون انتصار البروليتاريا مصحوب بتغيير للبناء الاجتماعي وبإلغاء الفواصل بين الطبقات.
والسر في هذه النظرية هو في حقيقة إنها تعطي للطبقات العاملة الثقة بأنها في الجانب الكاسب، وقد نشأت عدة مدارس للاشتراكية، الأولى، التي كانت على العموم سائدة في بريطانيا العظمى، تهتم بالجانب الإحيائي (البيولوجي) في عمل ماركس فالمجتمع من نفس حقيقة كونه نتيجة للتطور وخاضعاً له، هو بناء حي، مثل أي كائن حي، قد ينمو أو يذبل. و النمو والذبول عمليات بطيئة ، يمكن أن يلاحظها الذكاء الإنساني، وأن يعاونها و يزيد في سرعتها.
فطريق التقدم إذن يتكون من مجموعة من الإصلاحات تستهدف مساعدة حركة المجتمع التدريجية نحو التحول التالي، وهذا ما يسمى بنظرية الاشتراكية التطورية، المعروفة أيضاً بالجماعية أو اشتراكية الدولة.
هناك على أية حال، اشتراكيون كثيرون يضعون تفسيرات شديدة الاختلاف لنظريات ماركس. وأياً كان الموقف في المستقبل، فهم يؤكدون حقيقة أن المجتمع، كما هو اليوم، يتكون من طبقتين متعارضتين، أصحاب الملكية ومن لا ملكية لهم، وليس لهما مصالح مشتركة.
و بينهما هوة لا يمكن أن تعبرها إلا ثورة تتضمن تغييراً كاملاً للمجتمع. وقد يكون صحيحاً أن المجتمع سيتغير ويتطور في المجرى الطبيعي للحوادث، ولكن حياة العمال المستغلين ستنقضي، في نفس الوقت، في بؤس وعذاب، وهم لا يستطيعون الانتظار. ولذلك يجب اتخاذ كل خطوة ممكنة للإسراع بالتغيير التالي للمجتمع.

رد الفعل من الفردية

كانت قوى أخرى تعمل أثناء النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وقد ساعدت على زيادة الاستياء الذي أثارته أعمال ماركس من المجتمع الرأسمالي. وقد نجمت هذه القوى عن فهم جيد للنظرية السياسية، كان يميل إلى اعتبار الدولة كائناً حياً، خاضعاً للنمو والانحلال.
كان انهيار الفردية أساساً من جانبها الاقتصادي. فلا معنى لأن نقول لرجل أنه سيختار دائماً ما هو في مصلحته الخاصة إذا لم يكن له خيار إلا أن يبيع عمله لمن يعرض أعلى ثمن، كما انه لا يريح الرجل الذي يشكو الجوع كبديل عن قبول أجر شبه التجويع، أنه يتمتع بفوائد حرية التعاقد وان له أن ينشد غاياته الخاصة دون خوف من تدخل الدولة.
فقد كانت عمليات قانون العرض والطلب المنطلقة دون عائق تضر صحة المجتمع وسعادته وقد ازداد في الحقيقة وضوح انه لكي ترتفع كتلة الشعب فوق مستوى مجرد عبيد الأجر، تجب حمايتهم ضد شرور المنافسة الحرة غير المقيدة بإجراء أكبر وهو تدخل المجتمع في الصناعة وتنظيمها أكثر مما كان معتاداً في الماضي.
والجسم السياسي يشبه الجسم الإنساني في هذا، وهو انه إذا سمح لأي عضو معين بان يعكف على إشباع رغباته دون تعويق، فالنتيجة تنعكس بالضرر على باقي الجسم، وحرية طبقة ممتازة في تعقب مصالحها الخاصة دون تعويق كانت ضارة برفاهية المجموع.
إن التنظيم السياسي ضروري في أي مجتمع لأن التصرف الجماعي ضروري لإصلاح اختلال النظام الذي ينتج من حقيقة أن الناس يتصرفون باستقلال و مع ذلك يؤثر كل منهم على الآخر بمثل هذا التصرف.
والتصرف الاقتصادي على النمط الذي يشجعه مبدأ حرية العمل يمكن وصفه بأنه أعمى، بمعنى أنه، وبالرغم من انه يبدأ بعدد من إرادات الأفراد فإن له نتائج لا يرغبها واحد من هؤلاء الأفراد.
وتصرف الدولة ضروري، لمنع الآثار الضارة الناتجة عن عمى التصرف الاقتصادي الحر، والمظهر الأول والأهم لرد الفعل من الفردية هو الإصرار على ضرورة تصرف الدولة لإيقاف نتائج حرية تحقيق الربح.
والمظهر الثاني هو زيادة الميل إلى مناقشة حق أصحاب الملكية في كل المكاسب الناتجة عن تضافر جهود السادة والرجال، فهم لا يهاجمون رأس المال على انه ذخيرة العمل المسروقة التي اختلسها الرأسمالي من الرجل العامل. أنهم، على العكس، يعترفون بأن الرأسمالي، على أساس مقدمات ماركس نفسه، كان له دور نافع بل ضروري يلعبه في تطوير المجتمع.
فهو يقوم بوظيفة لا غنى عنها في تنظيم الصناعة ولذلك كان له الحق في جزء من القيمة التبادلية التي أوجدتها جهوده بالتضافر مع جهود العمال، حتى لو لم يكن له الحق فيها كلها على الإطلاق، وبما أن الإدارة في الصناعة قد زاد إسنادها إلى مديرين مأجورين، فلا حق له الآن في أي شيء من القيم التبادلية.
ولكن بعيداً عن القيمة التبادلية، هناك قيم كثيرة يوجدها كلها المجموع، ويجب أن تستعمل لفائدة المجموع الذي أوجدها لا للكسب الخاص.
وهكذا يبدأ الفابيون بعرض أن إيجار الأرض، أي ((الزيادة غير المكتسبة)) يجب أن تنقل من صاحب الأرض إلى المجتمع لأنهم يرون أن حاجة المجتمع إلى الأرض هي التي جعلتها ذات قيمة.
هذا التصور العضوي للمجتمع بوصفه الموجد للقيمة يوحي بالنتيجة الظاهرة وهي أن ما يوجده المجتمع يجب أن يديره ويتمتع به وبالتالي تأكيد أن المجتمع كوحدة يجب أن يملك أدوات الإنتاج وأن المجتمع يجب أن يملك ويدير الخدمات العامة مثل السكك الحديدية والمناجم والطرق وتصبح أدوات الإنتاج والخدمات العامة عندئذ مستعملة لفائدة الكل بدلا من أن تكون مستغلة لأثرياء قلة، ويتمتع المجتمع عندئذ بالقيمة التي أوجدها هو ذاته.
ولكن من الواضح أن المجتمع لا يستطيع بذاته أن يتولى هذه المهمة المعقدة: يجب أن يكون له نوع من الجهاز النيابي يعبر به عن إرادته ويعمل وفقاً لأوامره، ويدير القيم التي أوجدها المجتمع لصالحه.
ويجد الاشتراكيون الجماعيون هذا العضو في الدولة وهكذا يكون المثل الأعلى الذي يتضمن الفكر الجماعي هو دولة ديمقراطية تمثل المجتمع ككل ومزودة بمديرين خبراء يستعملون موارد المجتمع على أحسن وجه لصالح المجتمع.

فلسفة الاشتراكية

الاشتراكية تسعى إلى تحرير الفرد من ضغط المشاغل المادية حتى يستطيع أن يعيش حياته الخاصة وينمي شخصيته بحرية. ولكن نظراً لأن الاشتراكي يأخذ بفكرة عضوية الدولة باعتبارها كياناً يتكون من وحدات تشترك كل منها في اعتماد بعضها على البعض، فهو يعتمد أن مثل هذه الحرية لا يمكن تحقيقها إلا نتيجة التنظيم الاجتماعي المحكم.



نقد الاشتراكية

أهم نقد وجه لها هو افتراضها أن النظريات الأخرى غير علمية! وبالاعتماد على المصطلح الماركسي للاشتراكية العلمية نجد متلازمة الحتميات الماركسية التي على ضوءها يقوم المجتمع الاشتراكي العلمي تلك الحتميات ووجهت هي الأخرى بانتقادات واسعة، إذ قامت على فرضيات فلسفية أكثر من كونها نظريات علمية رغم الاستدلالات العلمية التي وضعتها الماركسية كنماذج للبحث
إضافة إلى ذلك إنها تستند على الديالكتيك، واستقراء مجموعة من الظواهر وبناء القوانين عليها ولكن الاستقراء المحض القائم على المشاهدات الصرفة لا يمكن أن ينتج يقيناً لأنه لا يمكنك أن تحصر كل أفراد المجموعة محل الاستقراء....بل من قال أن الكون وظواهره محدود بحيث يمكن تحديدها وحصرها ومعرفتها كلها؟ إن العلم يكشف كل يوم شيئاً جديداً فمن أين يتأتى لهؤلاء اليقين بنظرياتهم الحتمية العلمية بمجرد ضرب كم مثال يتصيدونه من بعض الكتب؟
إن الاستقراء لا ينتج اليقين بل هو لا يفيد سوى الظن ولهذا السبب فان العلم الحديث لا يعطيك حقائق يقينية فالنظرية العلمية لا يثبت أبدا إنها صحيحة بل هي تبقى قائمة حتى يثبت احدهم بطلانها ومع هذا فالماركسي متأكد تماماً من صحة الجدل بل يتحداك أن تأتيه بظاهرة تنقض الجدل !
منطقياً يمكن إثبات خطأ المقدمة "كل شيء متغير" لأنه إذا كانت هذه القضية كلية كما هو واضح فان القضية "كل شيء متغير" أيضا تكون خاضعة للقاعدة "كل شيء متغير" ومقتضى خضوع القاعدة لنفسها أن يكون "كل شيء متغير" أيضا متغيراً، ومقتضى تغيـّرها أن تكون تارة كاذبة وتارة صائبة ومحصل هذين الاحتمالين أن ل لا يكون كل شيء متغير بل تكون بعض الأشياء متغيرة، فالمنطق نفسه يثبت أن القاعدة الكلية خطأ وان الصحيح هو:

بعض الأشياء متغيرة !