أثر التطور التكنولوجي على وظيفة الدبلوماسي
الدبلوماسية قديمة قدم العالم، فكل المجموعات البشرية كانت في حاجة إلى إقامة علاقات بينها، سلبية كانت أم إيجابية، و قد مرت الدبلوماسية بمراحل تطور عديدة في التاريخ، حتى وصلت إلى الشكل الذي نعرفه الآن، في العصور القديمة كان المبعوث الدبلوماسي يسافر مسافات بعيدة و لم يكن يملك وسائل مواصلات سريعة أو وسائل أخرى للاتصال بدولته الموفدة، و لذا كان يمنح تفويضاً في قيامه بوظائفه الدبلوماسية و كانت اختصاصاته واسعة.
و مهما يكن من أمر فإن الحياة السياسية الدولية في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر كانت أقل تعقيدا و أبطأ سرعة من الحياة السياسية في القرن الحادي و العشرين، و في عصرنا الراهن، في ظل تطور وسائل الاتصالات و الأقمار الصناعية و الطائرات و وسائل الإعلام التي تنقل الأخبار بسرعة فائقة، يمكن القول بأن الوظيفة الدبلوماسية، إصبح دورها محدودا ، إلا أن إمعان النظر يوضح عكس ذلك.
لأنها أصبحت أكثر تعقيداً، فعلى سبيل المثال، قد يقوم رئيس دولة بلقاء رئيس دولة آخر ويتم الاتفاق بسرعة على كثير من الأمور، و لكن تحليل الواقعة في ذاتها، يوضح إلى أي حد تعمل الدبلوماسية بل و تصبح ضرورة لا غنى عنها.
فالذي يهيئ لهذا اللقاء إنما هو الموظف الدبلوماسي الذي يجري الإتصالات، و يجمع المعلومات و يقوم بتنظيمها و تحليلها و يقدم النصح لرئيس دولته و بعد الاتفاق فإن الأمر يستلزم متابعة لتنفيذ الاتفاق، و هو ماتقوم به الاتصالات الدبلوماسية.
هذا يعني أن الدبلوماسي، هو رجل الموقع الذي يعيش الحياة الواقعية و يستطيع أن يحلل أبعاد كل قرار و يقدم الاختيارات و البدائل لكبار المسئولين في دولته.
و من ناحية أخرى، فإن وسائل الاتصال الحديثة تسهل على الدبلوماسي الرجوع إلى الجهات المسئولة في دولته في اي وقت لأخذ المشورة بشأن مسألة ما، أو الإرشادات و التوجيهات لكيفية التصرف في موقف طارئ.
و من ثم فإن ثورة الاتصالات قد عمقت من دور الدبلوماسية، و لم تقلل منهاو إن جعلت دورها أكثر تطوراً و تشعباً و أضفت على المهمة الدبلوماسية سمات خاصة ، مثل السرعة و الإقلال من الشكليات التي ارتبطت بالدبلوماسية في الماضي ، و أصبحت الدبلوماسية المعاصرة أكثر مرونة من الناحية المراسيمية و أكثر انفتاحاً على قطاعات المجتمع و أنشطته، باعتبار أن الدبلوماسي قد تطورت مهمته، ليكون مبعوث حضارة لدى حضارة.